• ١٨ تموز/يوليو ٢٠٢٤ | ١١ محرم ١٤٤٦ هـ
البلاغ

العراق ما بين بومبيو وظريف

علي مراد العبادي

العراق ما بين بومبيو وظريف

تأتي زيارة وزير الخارجية الإيراني محمّد جواد ظريف – إلى العراق في أعقاب زيارة وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية مايك بومبيو ضمن جولة يقوم بها لعدة عواصم هدفها المرسوم الحصول على مزيد من التعبئة وكسب المواقف بالضد من إيران.

 وتأتي زيارة ظريف على رأس وفد سياسي واقتصادي كبير- تمتد خمسة أيّام وتشمل محافظات عراقية عدة، وبطبيعة الحالة تزامن الزيارتين وبفارق وقتي قصير لا يخلو من رسائل متبادلة ونقطة شروع نحو تصعيد جديد قد لا تسلم الساحة العراقية من تبعاته، فزيارة ظريف للعراق بصحبة شخصيات بارزة وعلى مستوى متقدّم هي بمثابة ردة فعل سريعة ترفع شعار (لن نفرط بالساحة العراقية حتى لو اضطرت طهران لمغادرة سوريا واليمن)، باعتبار أنّ العراق بوابة الالتفاف الكبرى بوجه العقوبات المفروضة على إيران.

 أمّا اصطحاب عدد كبير من المسؤولين قد يكون مبتغاه التمويه على هدف الزيارة الحقيقي والذي يقرأه المختصون هو لأجل استشراف ما جاء به بومبيو وما حمل في جعبته لبغداد وما أراده من الرئاسات الثلاث (رئاسة الجمهورية والوزراء والبرلمان)، لا سيّما وأنّ بعض التسريبات تُشير إلى أنّ من ضمن أهداف زيارة بومبيو هو إبعاد قادة فصائل شيعية عن دفة الحكم أو الحيلولة دون تسنمهم مناصب عليا في الحكومة العراقية، إضافة إلى حث العراق على ضرورة الالتزام بالعقوبات الأمريكية على إيران وتحجيم نفوذها في العراق والتأكيد على الرؤية الأمريكية التي ترى في إيران قوّة مزعزعة لاستقرار المنطقة وتسعى لضبط سلوكها على مستوى العراق والشرق الأوسط.

في مقابل هذه الرؤية الأمريكية التي جاء بها وزير خارجيتها تسعى طهران لمقابلتها على أرض الواقع عبر وفدها الأخير للعراق أو حتى عبر مذكرة الاحتجاج التي رفعتها بالضد من المؤتمر المزمع عقده في بولندا والذي من خلاله تسعى واشنطن لجمع أكبر حشد دولي يدين طهران وتدخلاتها، وربّما تجارب طهران الصاروخية الأخيرة تندرج ضمن إطار تصعيد المواقف أو كورقة ضغط للمجتمع الدولي أو الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص، لا سيّما وأنّها طلبت من الأخير توضيح موقفه من العقوبات وعلى أية مسافة يقف، كما وهدّدت بالانسحاب نهائياً من الاتفاق، وترى في زيارة بومبيو للعراق محاولة للتغطية على انسحاب قوات بلاده من سوريا وهو ما أسماه المسؤولون الإيرانيون (بالهزيمة) وإنّ زيارة ظريف للعراق هي مبرمجة مسبقاً وتأتي في سياق توطيد العلاقة مع بغداد.

موقف العراق

ما بين الموقفين أعلاه فإنّه ليس بمقدور صانع القرار العراقي التضحية بأحد الحليفين، فالولايات المتحدة تسعى وعبر بوابة العراق للتضيق على طهران سياسياً واقتصادياً وحتى عسكرياً عبر زيادة عدد قواتها وهو إحراج كبير للعراق لا سيّما وإنّه مُلزم باتفاقية الإطار الإستراتيجي، ناهيك عن الحرج على المستوى الشعبي إذ ليس بمقدورها المطالبة علناً بانسحاب تلك القوات، كما وإنّ زيارة ترامب الأخيرة للعراق دون لقائه بالقادة السياسيين وضعهم أمام موقف صعب فيما اعتبره البعض مصادرة لسيادة العراق، بالتزامن مع تصاعد ضغط الأطراف المقرّبة من طهران للمطالبة بانسحاب تلك القوات وهو ما تعتزم بعض القوى السياسية مناقشته داخل أروقة مجلس النواب.

 في مقابل ذلك تدرك واشنطن صعوبة زج العراق في صراعها مع طهران دفعة واحدة وهو ما دفعها لتمديد مدّة استثناء العراق من بعض العقوبات كما في استيراد الغاز، إضافة إلى أنّ روابط العراق بإيران متعمقة سياسياً واقتصادياً وعقائدياً ناهيك عن وجود جماعات هي ذات ارتباط مباشر بطهران وأغلبها لا تخفي تلك العلاقة وطالما هدّدت باستهداف المصالح الأمريكية في العراق إذا ما تصاعدت وتيرة الصراع الأمريكي الإيراني، ولا ننسى أنّ بعض هذه الجماعات هي ذات ثقل سياسي مؤثّر على مستوى العمل السياسي وقد تقلب الموازين على واشنطن والحكومة العراقية إذا ما انصاعت الحكومة العراقية للإرادة الأمريكية وعملت على تحجميهم.

ختاماً، يمكن القول: إنّه في ظل إدارة عبدالمهدي لرئاسة الحكومة ينبغي الاستمرار قدر المستطاع بسياسة التوازن ما بين إيران وأمريكا دون التفريط بأي الحليفين ودون الميل لطرف على حساب أخر وهو ما قد يجعل العراق ساحة حرب بالوكالة وتصفية حساب متبادل، فالنأي بالنفس يحفظ للعراق استقراره مع العمل على إلزام كافة الأطراف السياسية أو العسكرية بذات السلوك ومحاسبة المخالفين، فهذا الصراع إذا ما حصل سيدفع العراق ثمنه الباهظ لكونه الخاسر الأكبر وبالتالي سياسة الحياد الطريق الأصلح للخروج من الأزمة وربّما من مصلحة العراق أن يلعب دور الوسيط لدفع الطرفين إلى الجلوس مجدّداً على طاولة الحوار وبهذا يتجنّب الأخطار المحدقة به.

ارسال التعليق

Top